
صعود الائتمان الرقمي
في المملكة العربية السعودية
تحليل احترافي بشري مدعوم بأدوات تحليل البيانات المتقدمة

صادر عن
.jpeg)
إسلام زوين
الملاحظة الرئيسية لتحليلنا لقطاع القروض الاستهلاكية في عدد هذا الأسبوع هي أن حصة القروض الاستهلاكية من إجمالي حجم الإقراض المصرفي قد انخفضت بشكل مطرد، مما يعكس تحولاً هيكلياً واضحاً في مشهد الإقراض في المملكة.
وقد نما إجمالي القروض الاستهلاكية في المملكة بنسبة تقارب 31% خلال السنوات الخمس الماضية، إلا أن حصتها من إجمالي القروض المصرفية واصلت التراجع من ذروتها البالغة 23.47% في عام 2017 إلى 17% في عام 2024، في انعكاس واضح لتحول الأولويات التمويلية في السوق.
يعكس هذا التغير التوسع السريع في إقراض الشركات المالية غير المصرفية وشركات التكنولوجيا المالية، في ظل تزايد تمويل البنوك للمشاريع المرتبطة برؤية المملكة 2030، وقطاعات الإنشاءات والعقارات والبنية التحتية، وهو ما يدل على انتقال المملكة من نظام مالي مدفوع بالاستهلاك إلى نظام مالي مدفوع بالاستثمار والتنمية، بما يدعم أهداف التنويع الاقتصادي الأوسع نطاقاً.
ويتجلى الأثر المباشر لهذا التحول في قوة نشاط قطاعي التجزئة والتجارة الإلكترونية. ومع وجود 71% من سكان المملكة تحت سن 35 عاماً، يزداد الطلب على المنتجات الائ تمانية المرنة والرقمية، وهو طلب مدعوم أيضاً بجهود رسمية نحو تحقيق الشمول المالي وزيادة المدفوعات الرقمية (أكثر من 75% من المعاملات المالية أصبحت معاملات رقمية حالياً).
وقد انعكس هذا التحول الرقمي في طفرة غير مسبوقة في قروض البطاقات الائتمانية، التي نمت بأكثر من 238% خلال خمس سنوات، في مؤشر واضح على تغير أنماط الاستهلاك واعتماد المدفوعات الرقمية.
ومن بين أبرز أشكال الإقراض الرقمي التي تشهد نمواً سريعاً في المملكة، يبرز نموذج “اشترِ الآن وادفع لاحقاً Buy Now Pay Later - BNPL
الذي يلقى إقبالاً متزايداً، لا سيما بين فئة الشباب، الباحثين عن حلول ائتمانية مرنة وسهلة الاستخدام عبر قنوات التجارة الإلكترونية. ويعكس هذا النمو توجهاً عاماً نحو نماذج تمويل مبتكرة تتماشى مع السلوك الرقمي الجديد للمستهلكين في المملكة.
ورغم أن هذا الشكل من الإقراض لا يزال يشكل نسبة محدودة من إجمالي سوق الإقراض الاستهلاكي، إلا إنه يسجل معدلات نمو استثنائية (بمعدل نمو سنوي مركب 9.7%)، ما يجعله أحد أسرع قنوات التمويل الاستهلاكي نمواً في المملكة.
وتعزز بيئة الابتكار التنظيمي، التي يوفرها البنك المركزي السعودي (ساما)، بما في ذلك الساندبوكس التنظيمي (Regulatory Sandbox) دخول شركات جديدة ونماذج أعمال مبتكرة إلى السوق. ويشمل ذلك الخدمات المصرفية المفتوحة Open Banking
التي تسمح لمقدمي خدمات من جهات خارجية بالوصول إلى بيانات المستهلكين بشكل آمن، وبموافقة العميل، مما يسهم في توسيع نطاق الشمول المالي.
كما يسهم التقييم الائتماني البديل (Alternative Credit Scoring)
الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، في تعزيز فرص الوصول إلى الائتمان. وتتيح هذه البيئة ذاتها للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، وغيرها من المبتكرين، تجربة تطبيقات مالية جديدة مثل تطبيقات البلوك تشين ، ضمن مساحة آمنة تقلل من المخاطر على المستهلكين والنظام المالي.
كما تلعب شركات التمويل غير المصرفي دوراً متزايد الأهمية في تمويل الشرائح التي كانت تقليدياً أقل وصولاً إلى الائتمان، لاسيما من خلال حلول التمويل الصغير (Microfinance)
ما يساهم في تعزيز الشمول المالي الأوسع.
ويُسهم هذا الحراك المتسارع في بناء بنية تحتية مالية رقمية حديثة داخل المملكة، بما يواكب أفضل الممارسات العالمية في القطاع المالي.
ومع ذلك، تطرح هذه البيئة الديناميكية تحديات فريدة أمام المقرضين والمنظمين والمستهلكين، بما يتطلب دراسة متأنية للحفاظ على الاستقرار والثقة في النظام المالي.
فالقطاع المزدهر للإقراض هو في جوهره إقراض غير مضمون إلى حد كبير، إذ لا يستند إلى ضمانات أو أصول مقدّمة من المقترضين. وبينما لا تزال معدلات القروض المتعثرة منخفضة (1.3%)، فإن استمرار نمو الإقراض غير المضمون بوتيرة أسرع من نمو دخل الأفراد قد يؤدي إلى الإفراط في الاقتراض وزيادة مخاطر التعثر. وقد بلغت نسبة ديون الأسر إلى الناتج المحلي الإجمالي 34.4% — وهو أعلى مستوى خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ويُضاف إلى ذلك محدودية الثقافة المالية لدى غالبية المواطنين (38% فقط لديهم فهم مالي أساسي)، إلى جانب اشتداد المنافسة بين شركات التكنولوجيا المالية، مما قد يؤدي إلى تجزئة السوق، وتخفيف معايير الإقراض مقارنة بالممارسات التقليدية في البنوك.

عرض عام لبيانات القطاع
قُدّرت قيمة سوق الإقراض الرقمي - بما في ذلك شركات التكنولوجيا المالية ومقدمي خدمات الشراء الآن والدفع لاحقا BNPL
مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن تنمو هذه السوق بمعدل نمو سنوي مركب قدره 13.45%، لتصل قيمتها إلى
مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030
ومن المتوقع أيضا أن يواصل قطاع الشراء الآن والدفع لاحقا نموه القوي، ليتوسع من 1.31 مليار دولار أمريكي في عام 2024 إلى حوالي 2.36 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 (بمعدل نمو سنوي مركب: 9.7%).
البنوك هي مؤسسات الإقراض الرئيسية
حيث تُمثل
من إجمالي القروض الاستهلاكية، لكن شركات التمويل غير المصرفية وشركات التكنولوجيا المالية تُوسّع حصتها، لا سيما في قطاع الشراء الآن والدفع لاحقا، وتمويل المشروعات الصغيرة.

كما شهدت شركات التمويل غير المصرفية نموا أسرع في قطاع التمويل الشخصي (18.6% على أساس سنوي).
ونمت القروض الشخصية الاستهلاكية من البنوك بنسبة 6.6% على أساس سنوي لتصل إلى 470.99 مليار ريال سعودي في عام 2024، بينما ارتفعت قروض بطاقات الائتمان بنسبة 15.88% على أساس سنوي لتصل إلى 31.37 مليار ريال سعودي، مما يعكس تبني التحول الرقمي، وتغيير تفضيلات المستهلكين.
وتقدم البنوك وشركات التكنولوجيا المالية حلولا مبتكرة من خلال تقييم الائتمان القائم على الذكاء الاصطناعي، والمحافظ الإلكترونية، والمنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، لجذب شرائح جديدة من الناس.
إجمالي القروض الاستهلاكية
-
ارتفع إجمالي القروض الاستهلاكية (التي تشمل كلاً من القروض الاستهلاكية الشخصية وقروض بطاقات الائتمان) بنسبة 7.14% على أساس سنوي ليصل إلى 502.36 مليار ريال سعودي في عام 2024، مقارنة بنحو 468.9 مليار ريال سعودي في عام 2023.
-
في الربع الرابع من عام 2024، ارتفع إجمالي القروض الاستهلاكية بنسبة 7.14% على أساس سنوي، مقارنة بـ 4.59% على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2024. وعلى مدى 5 سنوات، ارتفع إجمالي القروض الاستهلاكية من 383.62 مليار ريال سعودي في عام 2020 إلى 502.36 مليار ريال سعودي في عام 2024، أي بزيادة قدرها 30.95% على مدى هذه السنوات الخمس.

تركيبة القروض الاستهلاكية
على مدى السنوات الخمس الماضية، شكلت القروض الاستهلاكية الشخصية متوسطا بلغ 94.8% من إجمالي القروض الاستهلاكية (التي تشمل قروض السيارات، وديون بطاقات الائتمان) في المملكة العربية السعودية.
وشكلت قروض بطاقات الائتمان ما متوسطه 5.2% من إجمالي القروض الاستهلاكية خلال هذه الفترة.
-
بلغت نسبة إجمالي القروض الاستهلاكية 17% من إجمالي القروض المصرفية في عام 2024، مقارنةً بـ 18.15% في عام 2023. وكانت هذه النسبة تشهد انخفاضا سريعا بعد عام 2021، حيث كانت تبلغ 21.75%. وكانت هذه النسبة قد بلغت ذروتها في عام 2017، عندما وصلت إلى (23.47%).
-
القروض الاستهلاكية الشخصية: نمت بنسبة 6.6% على أساس سنوي لتصل إلى 470.99 مليار ريال سعودي في عام 2024، من 441.83 مليار ريال سعودي في عام 2023. وفي عام 2020، كانت تبلغ 365.25 مليار ريال سعودي، أي أنه على مدى 5 سنوات، نمت القروض الاستهلاكية الشخصية بنسبة 28.95%.
-
بالإضافة إلى ذلك، نمت القروض الاستهلاكية الشخصية بنسبة 6.6% على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2024، مقارنةً بنسبة 4.01% على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2023.
-
على أساس ربع سنوي، نمت القروض الاستهلاكية الشخصية في كل ربع متتالٍ بعد الربع الرابع من عام 2023 (441.83 مليار ريال سعودي) إلى الربع الرابع من عام 2024 (470.99 مليار ريال سعودي).

شركات التمويل
يعكس النمو في التمويل الشخصي من شركات التمويل دورها المتزايد في خدمة الشرائح الأقل حظاً، وصغار المقترضين.
وتشهد شركات التمويل نموا متسارعا - لا سيما في مجالات التمويل المصغر والقطاعات الرقمية (مثل خدمات الشراء الآن والدفع لاحقا). وقد منح البنك المركزي السعودي (ساما) ترخيصا لـ 66 شركة تمويل قبل حلول شهر مايو من عام 2025.
وتعتمد هذه الشركات على حصتها المالية (باستخدام رأسمالها الخاص أو الأموال التي تجمعها من المستثمرين)، أو القروض البنكية (عندما تقترض أموال من البنوك الأخرى)، أو أسواق رأس المال (حيث تجمع الأموال عن طريق إصدار أدوات الدين لتمويل أنشطتها)، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة.
وتعمل النماذج التي تعتمد على التكنولوجيا المالية، بما في ذلك التمويل الجماعي (حيث يقوم العديد من المستثمرين الأفراد بإقراض الأموال بشكل جماعي لأحد المقترضين) على توسيع نطاق قطاع القروض.
-
ارتفعت قروض بطاقات الائتمان بنسبة 15.88% على أساس سنوي لتصل إلى 31.37 مليار ريال سعودي في عام 2024، مقارنة بنحو 27.07 مليار ريال سعودي في عام 2023.
-
بين عامي 2020 و2024، ارتفعت هذه القروض بنسبة 238.81%، أي من 18.37 مليار ريال سعودي في عام 2020 إلى 31.37 مليار ريال سعودي في عام 2024. وفي الربع الرابع من عام 2024، ارتفعت قروض بطاقات الائتمان بنسبة 15.88% على أساس سنوي، مقارنةً بنمو بنسبة 14.27% على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2024.
-
وتجدر الإشارة إلى أن قروض بطاقات الائتمان ارتفعت في كل ربع متتال بعد الربع الأول من عام 2021 (عندما بلغت 17.76 مليار ريال سعودي) إلى الربع الرابع من عام 2024 (عندما بلغت 31.37 مليار ريال سعودي، وهو رقم قياسي).
-
قروض شركات التمويل/بطاقات الائتمان: بلغت هذه القروض 1.94 مليار ريال سعودي في عام 2024، من 1.27 مليار ريال سعودي في عام 2023، أي بزيادة قدرها 53% على أساس سنوي في عام 2024.
-
تعكس الزيادة الكبيرة في قروض بطاقات الائتمان تحولاً كبيراً نحو عادات الدفع الرقمي غير النقدي في المملكة.

تم إعداد هذا التقرير بواسطة وحدة
بالاعتماد على تحليل بشري احترافي مدعوم بأدوات تحليل البيانات. جميع الرؤى الواردة تعكس اجتهاد الفريق التحريري، مع الاستفادة من التقنيات الحديثة دون الاعتماد على المحتوى المُولَّد آلياً.
