

لا يتطلب تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وجود مهارات محددة فحسب، بل يتطلب أيضا استثمارات كبيرة من الشركات في مجال البحث والتطوير، والبنية التحتية الرقمية.
لكن فوق كل ذلك، يتطلب الأمر وجود نهج متجدد ومبتكر فيما يتعلق بطريقة تفكيرنا في الإدارة الاستراتيجية.
نجاح نموذج الإنتاج المحلي لا يقاس فقط بعدد المصانع أو رُخص التشغيلبل بما نزرعه من ثقافة صناعية ذكية، وبما نمنحه للعقول والأنظمة من مساحة لتجريب الجديد وتجاوز المألوف.
وبينما تتسارع المملكة في ترسيخ بنيتها التحتية الصناعية، يبقى التحدي الحقيقي في ضمان أن يكون كل مصنع جديد مصنعًا ذكيًا، وكل قرار إنتاجي قرارا مدروسا بالبيانات، وكل مدير مشروع قائدًا تقنيًا وفكريًا في آنٍ واحد.
والسؤال الذي يستحق أن نطرحه الآن:
هل نمضي بنفس السرعة نحو تطوير كفاءات تدير هذه المصانع، كما نمضي في تشييدها؟
وثمة نقطة مهمة
قبل أن أترككم مع لمحة عامة عن وضع التصنيع في المملكة بالأرقام، وهي أنه رغم تبني
38%
من الشركات السعودية تقنيات الثورة الصناعية الرابعة اعتبارا من عام
2024
مما يعكس زخما مشجعا نحو التحول الرقمي – فإن نسبة كبيرة من الشركات في جميع القطاعات بالمملكة لا تزال بحاجة إلى مواكبة أحدث التقنيات والتطورات.


نموذج الإنتاج المحلي… المفهوم الذكي وراء النهضة الصناعية في المملكة العربية السعودية
تحليل احترافي بشري مدعوم بأدوات تحليل البيانات المتقدمة

صادر عن
.jpeg)
إسلام زوين
من المثير للإعجاب أن نقرأ كيف يُحسّن استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة عمليات التصنيع بشكل متزايد في بعض الصناعات في المملكة العربية السعودية.
حيث يُقلّل هذا التوجه من الهدر والفاقد في عملية التصنيع، من خلال تقليل كمية المواد، والطاقة، والوقت، والموارد الأخرى التي تُستهلك بشكل غير فعال أثناء عمليات الإنتاج.
وتعمل أجهزة الاستشعار وخوارزميات الذكاء الاصطناعي على تتبع استهلاك مواد مثل المعادن والبلاستيك والوقود، إضافة إلى المياه التي تعد سلعة ثمينة في بلادنا، خلال مراحل التصنيع المختلفة.
ومن خلال الحصول على بيانات دقيقة حول أنماط الاستخدام، يُمكن لمديري المشروعات في مختلف الصناعات أن يحددوا بشكل استراتيجي متى وأين يحدث الاستهلاك الزائد عن الحد، أو الهدر. وبالتالي، يصبح كل شيء تحت السيطرة: مثل درجة الحرارة، والضغط، والسرعة في الأداء، والموارد.
وهذه الكفاءة في التصنيع المحلي هي أهم ما يمكن استخلاصه في هذا العدد الأسبوعي من "أرقام ماكرو".
ويتوافق هذا النهج بشكل مباشر مع مفهوم نموذج الإنتاج المحلي (LPM) ضمن الاستراتيجية الوطنية للصناعة في المملكة، وخاصةً في إطار رؤية 2030.
ويشير هذا المفهوم إلى نهج إنتاجي يركز على تصنيع السلع على المستوى المحلي أو الوطني، بالاستفادة من التقنيات المتقدمة، وخاصة تلك المرتبطة بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة لإقامة أنظمة تصنيع فعّالة ومستدامة مصممة خصيصا لتلبية متطلبات السوق المحلية. (وتشير تقنيات الثورة الصناعية الرابعة – أو الصناعة 4.0 – إلى التقنيات المتقدمة، مثل الأتمتة، والذكاء الاصطناعي والروبوتات، والأنظمة القائمة على البيانات، والتحول الرقمي، وغيرها).
ولنأخذ مثالًا بسيطًا يحدث في صناعة السيارات المحلية السعودية، حيث يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحسين عملية الطلاء باستخدام الحد الأدنى من مادة الطلاء المطلوبة للحصول على شكل خارجي موحد للسيارات، مما يقلل من النفايات الكيميائية، والأثر البيئي أيضا.
وبالمثل، يمكن للآلات الصناعية المختلفة ضبط استهلاك الطاقة بشكل ديناميكي، بناءً على متطلبات الإنتاج، مما يقلل من هدر الكهرباء.
وبالمثل، يمكن للآلات الصناعية المختلفة ضبط استهلاك الطاقة بشكل ديناميكي، بناءً على متطلبات الإنتاج، مما يقلل من هدر الكهرباء.

بناء المستقبل
تُعد الاستراتيجية الوطنية للصناعة في المملكة العربية السعودية، التي أُطلقت في أكتوبر 2022، حجر الزاوية في نهج التنويع الاقتصادي لرؤية المملكة 2030.
فقد أدت الإصلاحات التنظيمية، والإعفاءات الضريبية، وتبسيط إجراءات التراخيص، إلى خلق بيئة مواتية للأعمال التجارية تجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء.
وتستهدف الاستراتيجية الوطنية للصناعة في المملكة مضاعفة الصادرات الصناعية غير النفطية إلى 557 مليار ريال سعودي بحلول عام 2030، مع إبرام اتفاقيات تجارية جديدة، ومبادرات لتعزيز الوصول إلى الأسواق.
وتتصدر قطاعات المواد الكيميائية، والبلاستيك، والسيارات، والآلات، هذا النمو الذي تقوده الصادرات الصناعية للمملكة.
ولا يزال نشاط الاستثمار واستصدار التراخيص الجديدة نشاطا قوياً، كما يتضح ذلك من خلال إصدار 1,346 ترخيصاً صناعياً في عام 2024.
ومع استثمار
1.5 تريليون ريال سعودي
بالفعل (أي الاستثمارات التراكمية في مشاريع التنمية الصناعية والاقتصادية)، وتحديد
1.3 تريليون ريال سعودي
كاستثمارات مستهدفة بحلول عام 2030، تعمل المملكة العربية السعودية بوتيرة سريعة لبناء مناطق اقتصادية خاصة ومراكز لوجستية.
وقد أصبح برنامج "صنع في السعودية" مبادرة رائدة تعزز المحتوى المحلي، والقدرة التنافسية العالمية للمنتجات السعودية.
-
في 2016: 7,206 مصانع
-
في 2019: 8,829 مصنعا (+ 22.5% نمو مقارنة بعام 2016)
-
في 2023: 11,549 مصنعا (+30.8% نمو مقارنة بعام 2019)
-
مستهدف عام 2035: 36,000 مصنع
-
وتعكس هذه الزيادة الكبيرة في عدد المصانع والتراخيص الجديدة مساعي المملكة العربية السعودية الحثيثة لتنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط.

تحليل اتجاهات النمو
نمو المصانع
2019 إلى 2023
30.8%
2016 إلى 2019
22.5%
ويعكس هذا التسارع تأثير إصلاحات رؤية المملكة 2030، وتطبيق الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي أطلقت في عام 2022.
كما يشير إصدار 1,346 ترخيصاً صناعياً في عام 2024 وحده، وجذب استثمارات بقيمة 50 مليار ريال سعودي، إلى استمرار هذا النمو، حيث بلغ عدد المصانع التي بدأت الإنتاج في عام 2024 وحده 1,075 مصنعاً في المملكة.
ومن المخطط إنشاء 4,000 مصنع يعمل بشكل آلي بالكامل بحلول عام 2035، بدعم من مبادرات مثل مركز التصنيع والإنتاج المتقدم (الذي افتتح في مايو 2025). كما ارتفعت نسبة تبني تقنيات الأتمتة إلى 38% من الشركات في عام 2024، بعد أن كانت 25% في عام 2020.
وترتبط هذه الزيادة الملحوظة ارتباطاً مباشراً بالحوافز الحكومية، لا سيما الإعفاء من رسوم العمالة الوافدة، والتي حفزت الاستثمار المحلي والأجنبي على حد سواء، وسرعت من نمو القطاع الصناعي.

تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى قطاع التصنيع
شهد قطاع الصناعات التحويلية في المملكة العربية السعودية ارتفاعا كبيرا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي بلغت ذروتها في عام 2023، حيث وصلت إلى 34.44 مليار ريال سعودي، و فقًا لأحدث البيانات المتاحة.
ويأتي هذا النمو كنتيجة مباشرة للإصلاحات التي طبقت في القطاع الصناعي ضمن رؤية 2030، وللحوافز المقدمة أيضا، بما في ذلك الإعفاء من رسوم العمالة الوافدة، وتبسيط إجراءات التراخيص، وإطلاق المناطق الاقتصادية الخاصة، وإعطاء الأولوية للصناعات التحويلية عالية القيمة ضمن الاستراتيجية الوطنية للصناعة.
وتضاعفت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر من ثلاثة أضعاف، من 11.2 مليار ريال سعودي في عام 2020 إلى رقم قياسي بلغ 34.4 مليار ريال سعودي في عام 2023، وهو ما يمثل زيادة ضخمة بنسبة 60.8% مقارنة بالعام السابق.
المنتجات المطاطية والبلاستيكية | المنتجات الغذائية | منتجات معادن لافلزية أخرى |
|---|---|---|
المعادن الأساسية | المواد والمنتجات الكيميائية | منتجات المعادن المُشكَّلة |
الأجهزة الكهربائية | الورق | الأثاث |
الملابس | الخشب | المشروبات |
المنسوجات | فحم الكوك والمنتجات البترولية المكررة | السيارات، والمركبات المفصلية |
الطباعة | أجهزة الكمبيوتر، والمنتجات الإلكترونية والبصرية | المنتجات الصيدلانية |
معدات النقل الأخرى | المنتجات الجلدية |
تكشف بيانات عام 2023 أعلاه أن القاعدة الصناعية في المملكة العربية السعودية تتميز بتنوع كبير، لكن هناك أربعة قطاعات تهيمن على المشهد الصناعي في البلاد.
وتستحوذ المنتجات اللافلزية على الحصة الأكبر بنسبة 19.08% من إجمالي المصانع، مدفوعة بقطاع البناء القوي في المملكة، والطلب المتزايد على مواد مثل الأسمنت والزجاج.
وتعكس المنتجات الغذائية (14.23%) ومنتجات المطاط والبلاستيك (12.92%) كلاً من الاستهلاك المحلي، ودور المملكة العربية السعودية كمورد إقليمي لهذه المنتجات.
كما تسلط منتجات المعادن المُشكَّلة (12.82%)، والمواد والمنتجات الكيميائية (10.14%) الضوء على قوة البلاد في مجال التصنيع، وخاصة في قطاع البتروكيماويات والصناعات التحويلية.
وفي المقابل، تسجل القطاعات عالية القيمة، مثل الأدوية (0.87%) وأجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات والمنتجات البصرية (0.76%) والسيارات (1.55%) حصصا أقل في الوقت الحالي، مما يؤكد تركيز الاستراتيجية الوطنية للصناعة في المملكة على توسيع نطاق التصنيع المتقدم، وتوطين هذه المجالات.
ويدعم هذا التوزيع وفقا للقطاعات هدف رؤية المملكة 2030 المتمثل في بناء اقتصاد صناعي مرن، وموجه نحو التصدير، مع تحديد مجالات الاستثمار المستهدف، ونقل التكنولوجيا لتسريع النمو في الصناعات الاستراتيجية.
الخلاصة
يشهد القطاع الصناعي في المملكة العربية السعودية تحولا جذريا من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد متنوع قائم على المعرفة. وتشير الزيادة السريعة في المصانع والتدفقات الاستثمارية القوية ونمو الصادرات إلى وجود زخم قوي في هذا القطاع.
وقد أدى النهج الفعال الذي تتبعه الحكومة والمتمثل في تبسيط الإجراءات التنظيمية، وتحفيز مشاركة القطاع الخاص، والاستثمار في البنية التحتية إلى خلق بيئة ديناميكية للنمو الصناعي.
وسوف يكون التعاون بين القطاعين العام والخاص، والتحلي باليقظة والفعالية فيما يتعلق بالإجراءات التنظيمية، والالتزام بالاستدامة، من العوامل بالغة الأهمية لتحقيق الأهداف الطموحة لهذه الاستراتيجية الوطنية للصناعة.
ويتوقف نجاح الاستراتيجية الوطنية للصناعة على التنفيذ الفعال للسياسات، والارتقاء المستمر بمهارات القوى العاملة، والقدرة على جذب المواهب والاستثمارات العالمية والاحتفاظ بها.

تم إعداد هذا التقرير بواسطة وحدة
بالاعتماد على تحليل بشري احترافي مدعوم بأدوات تحليل البيانات. جميع الرؤى الواردة تعكس اجتهاد الفريق التحريري، مع الاستفادة من التقنيات الحديثة دون الاعتماد على المحتوى المُولَّد آلياً.
