top of page
Cover Wix 6.jpg

المسار المستقبلي لقطاع الخدمات اللوجستية وإدارة الأصول في المملكة العربية السعودية

تحليل احترافي بشري مدعوم بأدوات تحليل البيانات المتقدمة

logo intelegince.png

صادر عن

اسلام زوين

إسلام زوين

في عصرٍ أصبح فيه ذكاء سلسلة التوريد هو العامل التنافسي الأبرز، بات التحول الطَموح في قطاع الخدمات اللوجستية في المملكة يتجاوز مجرد تطوير البنية التحتية؛ فهو يُجسّد ظهور نظام الخدمات اللوجستية الذكية (ILS)، الذي من المفترض أن يدمج بين المنصات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية المدعومة بالتكنولوجيا، والحوكمة الرقمية الموحدة.

لكن هناك مفارقة تكمن وراء هذه الرؤية التكنولوجية بالغة التطور، وهي مفارقة تتعلق بالقدرة على تنفيذها.

نجاح هذا التحول لا يتوقف فقط على التطور التكنولوجي، بل على قدرة المملكة على سد الفجوة بين الإمكانات الرقمية وتنفيذها على مستوى قطاعات متعددة ومشاريع مختلفة  في نطاقها وحجمها، وهو تحدٍّ سيسهم في تحديد ما إذا كانت السعودية ستحقق طموحاتها اللوجستية المتعلقة برؤية 2030.

وبلغ حجم سوق الخدمات اللوجستية السعودي 136.3 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل نمو سنوي مركب قدره 6.5% ليصل إلى 198.9 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، مع استهداف زيادة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 6% إلى 10%.

سوق الخدمات اللوجستية السعودي

مليار دولار أمريكي

ما وراء البنية التحتية التقليدية

في جوهره، يعمل نظام الخدمات اللوجستية الذكية كمساعد شامل لسلسلة التوريد، يتنبأ بأنماط الطلب، ويدير مستويات المخزون تلقائيا، ويُحسّن المسارات بشكل ديناميكي عبر شبكة الخدمات اللوجستية المتنامية في المملكة.

ومن أبرز الأمثلة على هذا التكامل التكنولوجي منصة "فسح"، البوابة الجمركية الإلكترونية الموحدة في المملكة العربية السعودية، والتي حوّلت عمليات التخليص الجمركي من 12 يوما إلى ساعتين، مع ربط الجهات الحكومية عبر نظام موحد يخدم المستوردين والمصدرين وشركات الخدمات اللوجستية.

ومع ذلك، لا تزال إمكانات النمو هذه متركزة بين الشركات والمشاريع الكبرى في المملكة، مما يخلق قطاعا لوجستيا يسير بسرعتين مختلفتين، حيث تتقدم المشاريع العملاقة بسرعة كبيرة، بينما تتخلف بعض المشاريع الأخرى الأساسية عن الركب، مما يُقوّض مفهوم الذكاء المتكامل الذي يميز أنظمة الخدمات اللوجستية الذكية.

ويكشف هذا التسارع الرقمي، في جوهره، عن ثغرات حرجة في عمليات التنفيذ تتطلب استراتيجيات تبني شاملة تضم الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى جانب المشاريع العملاقة.

ففي حين أن التحول الرقمي يتسارع بين الشركات السعودية الصغيرة والمتوسطة - حيث يقبل 99% منها الآن المدفوعات الرقمية (ارتفاعا من 88% في عام 2023)، وفقًا لمؤشر ثقة الشركات الصغيرة والمتوسطة لعام 2025 الصادر عن ماستركارد، وأعرب 93% منها عن ثقة أكبر في التحول الرقمي لعام 2025 - لا تزال هناك فجوات كبيرة في تبني التكنولوجيا المتقدمة في مختلف العمليات اللوجستية.

وتوضح الأبحاث أن تبني التكنولوجيا الرقمية يعزز أداء الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل كبير، حيث من المتوقع أن ينمو سوق تكنولوجيا الخدمات اللوجستية في السعودية بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 7.87% حتى عام 2033.

حصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الناتج المحلي الإجمالي (بيانات 2023)

تحدي التكامل المادي-الرقمي

تفتخر المملكة بشبكة مترابطة تضم ما يقرب من 200 ألف كيلومتر من الطرق المعبدة، و9 موانئ رئيسية، و29 مطاراً تجارياً، لكن تطوير البنية التحتية لا يواكب بشكل عام حركة البضائع.  

يجسد النقص في الطاقة الاستيعابية لمستودعات التخزين هذا الإخفاق في التنسيق: فعلى الرغم من وجود 820,000 متر مربع من المساحات الصناعية قيد الإنشاء في الرياض، تواجه المدينة نقصا حادا في مستودعات التخزين، مع معدلات إشغال تصل إلى 98%، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجار بنسبة 10.4% على أساس سنوي، لتصل إلى 210 ريال سعودي للمتر المربع الواحد.

فمعظم الواردات الجديدة تتركز في مناطق محددة، بدلا من توزيعها بشكل استراتيجي يدعم أداء شبكة الخدمات. ويقوض هذا التطوير المجزأ مفهوم الذكاء المتكامل الذي تتطلبه منظومة الخدمات اللوجستية الذكية من أجل التنبؤ الفعال بحجم الطلب، وتخصيص الموارد المطلوبة.

يجسد مشروع الجسر البري السعودي مثالاً على كل من الوعود والتحديات التي ينطوي عليها تنفيذ نظام الخدمات اللوجستية الذكية، حيث يهدف المشروع، الذي صُمم لربط جدة والرياض عبر خط سكة حديدية جديد بطول 950 كيلومترا، إلى تقليل أوقات نقل البضائع بشكل كبير.

ومع ذلك، يتطلب التكامل الناجح أكثر من مجرد ذلك الربط بين المدينتين، فهو يتطلب تطويرا متزامنا لبنية تحتية متكاملة، بما في ذلك المستودعات الذكية، والمحطات الآلية، والمرافق الجمركية المتكاملة.

وتمثل المراكز اللوجستية المخطط لها، والبالغ عددها 59 مركزا لوجستيا تغطي أكثر من 100 مليون متر مربع، إضافة ذات إمكانات هائلة، مع العلم أن 21 مركزا قيد الإنشاء حاليا.

ولكن  يجب  تطوير الأصول المادية كشبكات متكاملة وليس كمرافق مستقلة كي لا ينتهي بنا المطاف إلى مجرد إنشاء بنية تحتية بشكل متتابع وفقا لأهداف سنوية، فنحصل على عدد كاف من المرافق اللوجستية ولكنها يجب أن تكون مترابطة  تكنولوجيا كما أوضحنا

الفئة
2023
2024
هدف 2030
النمو من 2023 إلى 2030
الاستثمارات (مليار دولار أمريكي)
53.2
53.2
267
402%
المراكز اللوجستية
22
22
59
168%
المساحة الإجمالية (مليون متر مربع)
34
34
100+
194%
قيد الإنشاء
21
21
مخزون المستودعات في الرياض (مليون متر مربع)
28
معدل الإشغال (%)
97
98

تُظهر مناولة الحاويات في المملكة العربية السعودية نجاحا تشغيليا وتحديات استراتيجية في آنٍ واحد. فقد بلغ حجم مناولة الحاويات 7.52 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما في عام 2024، مع ارتفاع الصادرات بنسبة 8.86% لتصل إلى 2.8 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما، ونمو الواردات بنسبة 13.79% على أساس سنوي لتصل إلى 2.98 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما. وصعدت المملكة إلى المركز الخامس عشر عالميا في تصنيفات مناولة الحاويات، حيث احتلت ثلاثة موانئ سعودية مراكز ضمن أفضل 100 ميناء على مستوى العالم.

infograph 1.png

ومع ذلك، فإن تحقيق الهدف الطموح المتمثل في مناولة 40 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما بحلول عام 2030 يتطلب تنسيقا غير مسبوق بين الأنظمة الرقمية والبنية التحتية المادية - وهو ما يمثل تحدي التكامل الذي يُحدد مدى نجاح تطبيق أنظمة الخدمات اللوجستية الذكية.

مناولة الحاويات – مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما 

  • إجمالي مناولة الحاويات: 7.52 مليون حاوية نمطية في عام 2024 (بانخفاض قدره 10.93% عن عام 2023) ومن المتوقع أن يرتفع إلى 40 مليون حاوية نمطية بحلول عام 2030. ويمثل هذا الأمر مسار نمو متزايد بمعدل 5.3 أضعاف.

العقبة الخفية في الأنظمة الذكية

توضح مفارقة التعقيدات الجمركية الفجوة بين الإمكانات التكنولوجية والواقع التشغيلي، فبينما تقدم منصة "فسح" على سبيل المثال طفرة رقمية هائلة تتيح تقديم الطلبات إلكترونياً، وتتبع حركة البضائع في الوقت الفعلي، لا تزال الشركات الأجنبية تتعامل مع بعض المتطلبات التنظيمية المعقدة، والتي يمكن أن تتسبب في تأخير التخليص الجمركي، على الرغم من الإمكانات القوية التي تقدمها هذه المنصة.

فقد أدت التغييرات التنظيمية الأخيرة إلى مزيد من الضغوط التشغيلية عن غير قصد: فقد أدى قرار في عام 2023 الذي يحظر استخدام الشاحنات التي يزيد عمرها على 20 عاما إلى نقص حاد في شاحنات النقل، مما أدى إلى مضاعفة أسعار الحاويات من بين 4,000 إلى 6,000 ريال سعودي، إلى ما بين 8,000 إلى 9,000 ريال سعودي.

كما أدت الزيادة في أسعار الديزل في يناير 2025 بنسبة 44%، لتصل إلى 1.66 ريال سعودي للتر الواحد، إلى زيادة تكاليف النقل، مما أجبر شركات الشحن على تمرير النفقات المتزايدة إلى العملاء، وتعطيل محاولات تحسين التكلفة التي صُمم نظام الخدمات اللوجستية الذكية لتحقيقها. وتُظهر هذه الإشكاليات الناجمة عن اللوائح التنظيمية كيف يمكن أن يؤدي تنفيذ السياسات بطريقة ما إلى إضعاف التطور التكنولوجي.

ويظهر تحليل مقارن للكفاءة التنظيمية أن التطبيق الناجح لنظام الخدمات اللوجستية الذكية يتطلب وجود أطر لسياسات منسقة يمكنها أن تُحدث تكاملا في المنصات الرقمية بدلاً من تعقيدها. ويتطلب تحقيق هدف المملكة المتمثل في الوصول إلى تصنيف ضمن أفضل 10 دول في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية بحلول عام 2030 معالجة هذه العوائق التنظيمية.

من الرؤية إلى التنفيذ المتكامل

يتمثل التحدي الأساسي الذي يواجه التحول اللوجستي في المملكة العربية السعودية في التنسيق بين التقدم التكنولوجي وتنمية القوى العاملة، وبين تنفيذ المشاريع الكبرى وضم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وبين تحديث اللوائح التنظيمية والكفاءة التشغيلية.

خصصت المملكة أكثر من 267 مليار دولار أمريكي لتطوير قطاع الخدمات اللوجستية، منها 53.2 مليار دولار أمريكي مُخصصة بالفعل لمشاريع متعددة (حيث يُظهر التوسع من 22 منطقة لوجستية إلى 59 منطقة لوجستية بحلول عام 2030، بما في ذلك 18 منطقة بالقرب من الموانئ، والتي تُمثل استثمارات تزيد على 2.66 مليار دولار أمريكي، مدى الالتزام بتطوير البنية التحتية)، إلا أن النجاح يعتمد في النهاية على التنفيذ المتزامن للتطوير في جميع مكونات هذا القطاع.  

ويُظهر قطاع لوجستيات التجارة الإلكترونية في المملكة طلبا متزايدا على الأنظمة الذكية المتكاملة، حيث حقق نموا من 2.02 مليار دولار أمريكي في عام 2024 إلى 3.32 مليار دولار أمريكي متوقع في عام 2025، مسجلاً بذلك معدل نمو سنوي مركب بنسبة 10.94%. وهذا المسار من النمو، المدعوم بانتشار الإنترنت بنسبة 99%، ومبادرات التحول الرقمي الحكومية، يُولّد طلبا فوريا على ما يوفره نظام الخدمات اللوجستية الذكية من إمكانات.

للتنفيذ الكامل لنظام الخدمات اللوجستية الذكية وتحقيق أهداف رؤية 2030 الطموحة، يجب على المملكة العربية السعودية معالجة ثلاث أولويات تنفيذية أساسية:

تنسيق تطوير البنية التحتية

ضمان التوزيع المنسق لمراكز الخدمات اللوجستية المخطط لها، والبالغ عددها 59 مركزا، لتصبح كشبكة متكاملة وليست مجرد مرافق مستقلة، مما يتيح تحقيق مفهوم الذكاء المتكامل وتحسينه على مستوى النظام.

تنسيق الأطر التنظيمية

تبسيط الإجراءات الجمركية، ولوائح المركبات، وسياسات تسعير الوقود لتحقيق التكامل في أنظمة التطوير الرقمي، وليس تعقيدها.

تسريع التحول الرقمي الشامل

تطبيق برامج شاملة لتبني التكنولوجيا تستهدف الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع دعم الوصول إلى منصات أنظمة اللوجستيات الذكية، وتحديد متطلبات تكامل إلزامية للمشاركين الرئيسيين في سلسلة التوريد.

وفي بيئة تجارية عالمية آخذة في التعقيد، ستكون الدول التي تحقق النجاح هي تلك التي تستطيع دمج الأصول المادية بسلاسة مع الذكاء الرقمي، مما يسهم في خلق سلاسل توريد قادرة على التكيف والتنبؤ، وتستجيب للاضطرابات بدقة وبشكل آلي.

ويمثل نظام الخدمات اللوجستية الذكية في المملكة العربية السعودية هذا المستقبل إذا جرى تنفيذه بنفس الطموح المنتظر، مع الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للمملكة عند مفترق طرق ثلاث قارات.

bottom of page